فصل: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الرِّجَالُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الشَّرْط الرَّابِع: ستر الْعَوْرَة:

وَالْعَوْرَةُ الْخَلَلُ فِي الثَّغْرِ وَغَيْرِهِ وَمَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ ضَرَر أَعور الْمَكَانُ إِذَا صَارَ ذَا عَوْرَةٍ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِن بُيُوتنَا عَورَة} أَيْ خَالِيَةٌ يُتَوَقَّعُ الْفَسَادُ فِيهَا فَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ السوءتان عَورَة لِأَن كشفهما مُوجب خَلَلًا فِي حُرْمَةِ مَكْشُوفِهِمَا وَالْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ لِأَنَّهُ يُتَوَقَّعُ مِنْ رُؤْيَتِهَا أَوْ سَمَاعِ كَلَامِهَا خَلَلٌ فِي الدِّينِ وَالْعِرْضِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَوْرَةِ الْمُسْتَقْبَحُ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الْجَمِيلَةَ تَمِيلُ النُّفُوسُ إِلَيْهَا وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَعَ الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ فِي حُكْمِ السَّتْرِ وَسَائِرِ مَسَائِلِ الْعَوْرَةِ تَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَفِي الْجَوَاهِرِ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَفِي وُجُوبِهِ فِي الْخَلْوَةِ قَوْلَانِ قَالَ الْمَازِرِيُّ هُوَ مُسْتَحَبٌّ عَنْ أَعْيُنِ الْمَلَائِكَةِ لِمَا فِي التِّرْمِذِيّ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ وَحِينَ يُفْضِي أَحَدُكُمْ إِلَى أَهْلِهِ فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ وَأَقَلُّ مَرَاتِبِهِ النَّدْبُ وَهَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ يَجِبُ فِيهَا وَلَهَا؟ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ الْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فِي الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَهَذَا مَحْكِيٌّ فِي الْجَوَاهِرِ عَنِ ابْنِ بكير وَالْقَاضِي أبي بكر حُجَّةُ الشَّرْطِيَّةِ قَوْله تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كل مَسْجِد} قِيلَ اللِّبَاسُ فِي الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ وَلِأَنَّ الْمُصَلِّي يُنَاجِي ربه فَيشْتَرط فِي حَقه أفضل الهيآت والمكشوف الْعَوْرَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ حُجَّةُ عَدَمِ الشَّرْطِيَّةِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا} الْآيَةَ فَلَوْ وَجَبَ شَيْءٌ آخَرُ لَذَكَرَهُ وَفِي أَبِي دَاوُدَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَذَكَرَ الْوضُوء وَقَالَ لم يسْتَقْبل الْقِبْلَةَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ كَافٍ فِي الْقبُول فَلَا يكون غَيره وَاجِبا ثُمَّ النَّظَرُ فِي الْعَوْرَةِ مَا هِيَ وَفِي سَائِرِهَا؟
أَمَّا الْعَوْرَةُ فَثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

.الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الرِّجَالُ:

فِي الْجَوَاهِرِ أَجْمَعْتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ السوءتين من الرِّجَال عَورَة وَفِي غَيرهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مِنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ وَهُمَا غَيْرُ دَاخِلَتَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّ وَوَافَقَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ فِي السُّرَّةِ وَخَالَفَ فِي الرُّكْبَةِ لِأَنَّهَا مَفْصِلُ وَعَظْمُ الْفَخِذِ فِيهَا وَهُوَ عَوْرَةٌ فَتَكُونُ عَوْرَةً أَوْ هُمَا دَاخِلَتَانِ أَوِ السَّوْءَتَانِ فَقَطْ وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ بَدَنِ الرَّجُلِ عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَجْهُ الْمَذْهَبِ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لعَلي غط فخدك وَلَا تنظر إِلَى فَخدَّ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ وَجْهُ الِاقْتِصَارِ عَلَى السَّوْءَتَيْنِ مَا فِي مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ خَيْبَرَ انْكَشَفَ الْإِزَارُ عَنْ فَخِذِهِ قَالَ أَنَسٌ حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضَعِيفٌ وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ الْعَوْرَةَ السَّوْءَتَانِ وَالْفَخِذُ وَالْعَانَةُ حَرِيمٌ لَهُمَا.

.الْقِسْمُ الثَّانِي الْإِمَاءُ:

وَهُنَّ مِثْلُ الرِّجَالِ قَالَ فِي الْكِتَابِ شَأْنُ الْأَمَةِ أَنْ تُصَلِّيَ بِغَيْرِ قِنَاعٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ اخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ شَأْنُهَا هَلْ مَعْنَاهُ لَا تُنْدَبُ إِلَى ذَلِكَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَالرَّجُلِ أَوْ يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ مَعَ النَّدْبِ لِلسَّتْرِ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْجُلَّابِ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ رَضِي الله عَنهُ يمْنَع الْإِمَاء من الْإِزَارِ وَقَالَ لِابْنِهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّ جَارِيَتَكَ خَرَجَتْ فِي الْإِزَارِ وَتَشَبَّهَتْ بِالْحَرَائِرِ وَلَوْ لَقِيْتُهَا لَأَوْجَعْتُهَا ضَرْبًا.
فَائِدَةٌ:
مَعْنَى نَهْيِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْإِمَاءَ عَنْ تَشَبُّهِهِنَّ بِالْحَرَائِرِ أَنَّ السُّفَهَاءَ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالتَّعَرُّضِ لِلْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ فَخَشِيَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَلْتَبِسَ الْأَمْرُ فيتعرض السُّفَهَاء لِلْحَرَائِرِ ذَوَاتِ الْجَلَالَةِ فَتَكُونُ الْمَفْسَدَةُ أَعْظَمُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يؤذين} أَي أَن يتميزن بعلاماتهن عَنْ غَيْرِهِنَّ وَأَلْحَقَ فِي الْكِتَابِ الْمُكَاتَبَةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَالْمُعتق بَعْضهَا بالأمة الْقِنّ وَأم الْوَلَدِ بِالْحُرَّةِ وَأَلْحَقَ صَاحِبُ الْجُلَّابِ الْمُكَاتَبَةَ بِأُمِّ الْوَلَدِ فِي اسْتِحْبَابِ السِّتْرِ وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيَّةُ الْجَمِيعَ بِالْأَمَةِ الْقِنِّ نَظَرًا لِلْمِيرَاثِ وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَى عُقُودِ الْحُرِّيَّةِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا تُصَلِّي الْأَمَةُ إِلَّا وَعَلَى جَسَدِهَا ثَوْبٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالْأَمْرُ بذلك مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوُجُوبِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنَ الْعَلِيِّ أَوِ الْوَخْشِ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْوُجُوبِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَوْ صَلَّتِ الْأَمَةُ مَكْشُوفَةَ الْفَخِذِ أَعَادَتْ فِي الْوَقْتِ وقَوْله تَعَالَى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يَقْتَضِي الْعَفْوَ عَنِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ مِنَ الْحُرَّةِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَظْهَرُ عِنْدَ الْحَرَكَاتِ لِلضَّرُورَةِ وَعَمَّا يَظْهَرُ مِنَ الْأَمَةِ عِنْدَ التَّقْلِيبِ لِلشِّرَاءِ وَهُوَ مَا عَدَا السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ.
فَرْعٌ:
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ أَحْرَمَتْ مَكْشُوفَةَ السَّاقِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَجُوزُ لَهَا كَشْفُهُ فَعَتَقَتْ فَقِيلَ تَسْتُرُ ذَلِكَ وَتَتَمَادَى إِنْ كَانَتِ السُّتْرَةُ قَرِيبَةً وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا فَإِنْ بَعُدَتْ فَقِيلَ تَتَمَادَى وَقِيلَ تَقْطَعُ فَإِنْ قَرُبَتْ وَلَمْ تَسْتُرْ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ الْعُرْيَانُ خِلَافًا ل (ح) مفرقا بَينهمَا فَإِن هَذِهِ حَالَةُ ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّهَا كَانَتْ يُبَاحُ لَهَا ذَلِكَ وَقَالَ سَحْنُونٌ يَقْطَعَانِ وَقَالَ أَصْبَغُ هِيَ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إِلَيَّ لَوْ جَعَلَتْهَا نَافِلَةً وَشَفَّعَتْهَا وَسَلَّمَتْ كَمَنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَقَالَ مَالِكٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ تُعِيدَ قَالَ وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي الْحُرَّةِ يُلْقِي الرِّيحُ خِمَارَهَا وَالرَّجُلِ يَسْقُطُ إِزَارُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا سَقَطَ ثوب الإِمَام فَظهر فرجه وَدبره أَخَذَهُ مَكَانَهُ وَأَجْزَأَهُ إِذَا لَمْ يَبْعُدْ ذَلِكَ قَالَ سَحْنُونٌ وَيُعِيدُ كُلُّ مَنْ نَظَرَ إِلَى فَرْجِهِ مِمَّنْ خَلْفَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ لم ينظر وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِهِ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ وَإِنْ رَدَّهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ بَنَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ سُنَّةٌ وعَلى القَوْل الآخر بفريضيتها يَخْرُجُ وَيَسْتَخْلِفُ فَإِنْ تَمَادَى فَصَلَاةُ الْجَمِيعِ فَاسِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ قَالَ وَأُمِرَ مَنْ نَظَرَ بِالْإِعَادَةِ لِأَنَّهُ مُرْتَكِبٌ لِمَعْصِيَةٍ بِالنَّظَرِ قَالَ وَيَلْزَمُهُ الْإِبْطَالُ بِجَمِيعِ وُجُوهِ الْعِصْيَانِ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذهب إِلَيْهِ التّونسِيّ من أَنَّهَا تبطل لَا بذلك وَلَا بِالسَّرقَةِ وَلَا بِالْغَضَبِ لَوْ وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمَازِرِيُّ إِنَّ طُرُوَّ اللِّبَاسِ عَلَى الْعُرْيَانِ وَالْعِتْقَ عَلَى الْأَمَةِ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ هَلْ هِيَ سُنَّةٌ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ فَرِيضَةٌ وَهِيَ طَرِيقَةُ سَحْنُونٍ؟ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَلَوْ عَتَقَتْ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَمْ تَعْلَمْ حَتَّى صَلَّتْ قَالَ أَصْبَغُ تُعِيدُ فِي الْوَقْتِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا كَقَوْلِنَا وَالثَّانِي تُعِيدُ أَبَدًا لِأَنَّهَا مُفَرِّطَةٌ.

.الْقِسْمُ الثَّالِثُ الْحَرَائِرُ:

فِي الْجَوَاهِرِ أَجْسَادُهُنَّ كُلُّهَا عَوْرَةٌ إِلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا صَلَّتْ بَادِيَةَ الشَّعْرِ أَوْ ظُهُورِ الْقَدَمَيْنِ أَعَادَتْ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَوْ بَعْضِ الْفَخِذِ أَوِ الْبَطْنِ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهَا وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ فِي أَنَّ الْقَدَمَيْنِ عَوْرَةٌ وَخَالَفَنَا أَبُو حَنِيفَةَ لَنَا مَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زوج النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَتْ مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَتْ تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ الَّذِي يُغَيِّبُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا وَقَدْ رَفَعَهُ أَبُو دَاوُد للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
فُرُوعٌ خَمْسَةٌ:
الْأَوَّلُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا صَلَّتْ مُتَنَقِّبَةً لَا إِعَادَةَ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِم ذَلِك رَأْيِي وَالتَّلَثُّمُ كَذَلِكَ وَنَهَى الشَّافِعِيُّ عَنْهُ وَأَوْجَبَ ابْنُ حَنْبَلٍ تَغْطِيَةَ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا لَنَا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَورَة فِي الْإِحْرَامِ فَلَا يَكُونُ عَوْرَةً فِي الصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ كَشْفُهُ لِمُبَاشَرَةِ السُّجُودِ وَالتَّلَثُّمُ يَسْتُرُ الْأَنْفَ وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ إِذَا رَأَى إِنْسَانًا يُغَطِّي فَاهُ فِي الصَّلَاةِ جَبَذَ الثَّوْبَ عَنْهُ حَتَّى يَكْشِفَ فَاهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كَرَاهِيَةِ تَغْطِيَةِ اللِّحْيَةِ قَوْلَانِ وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
الثَّانِي:
قَالَ فِي الْكِتَابِ الْمُرَاهِقَةُ بِمَنْزِلَةِ الْكَبِيرَةِ لِأَن مَنْ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ أُمِرَ بِشُرُوطِهَا وَفَضَائِلِهَا فَلَوْ صَلَّتْ بِغَيْرِ قِنَاعٍ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ تُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ يُصَلِّي عُرْيَانًا قَالَ لَوْ صَلَّيَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَعَادَا أَبَدًا وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهُ لَا يُعِيدَانِ.
الثَّالِثُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ الْعَاجِزُونَ عَنِ السَّتْرِ يُصَلُّونَ أَفْذَاذًا قِيَامًا مُتَبَاعِدِينَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَجَمَاعَةً بِإِمَامٍ إِنْ كَانُوا فِي ظَلَامٍ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ فِي تَفَرُّقِهِمْ وَقِيَامِهِمْ وَعَدَمِ إِيمَائِهِمْ بِالسُّجُودِ وَخَيَّرَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْقِيَامِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ قُعُودًا بِإِيمَاءٍ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ يَجِبُ الْقُعُودُ لَنَا النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى وُجُوبِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَنَّهَا أَرْكَانٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَالسُّتْرَةُ شَرْطٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْأَرْكَانُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الشُّرُوطِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ.
قَاعِدَةٌ:
الْوَسَائِلُ أَبَدًا أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنَ الْمَقَاصِدِ إِجْمَاعًا فَمَهْمَا تَعَارَضَا تَعَيَّنَ تَقْدِيمُ الْمَقَاصِدِ عَلَى الْوَسَائِلِ وَلِذَلِكَ قَدَّمْنَا الصَّلَاةَ عَلَى التَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ لِكَوْنِهِ شَرْطًا وَوَسِيلَةً وَالصَّلَاةُ مقصد وَلذَلِك قَدَّمْنَا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ اللَّذَيْنِ هُمَا مَقْصِدَانِ عَلَى السُّتْرَةِ الَّتِي هِيَ وَسِيلَةٌ فَلَوْ جَمَعُوا نَهَارًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَالشَّافِعِيِّ يكونُونَ صفا وإمامهم فِي صفهم قَالَ لِأَنَّ السَّتْرَ سَقَطَ عَنْهُمْ بِالْعَجْزِ وَالتَّبَاعُدَ مُسْتَحَبٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ غَضِّ الْبَصَرِ قَالَ فَإِنْ كَثُرُوا صَفُّوا صَفًّا آخَرَ وَغَضُّوا أَبْصَارَهُمْ فَلَوْ كَانَتِ امْرَأَةً لَمْ تَجِدْ مَكَانًا تَسْتَتِرُ بِهِ عَنِ الرِّجَالِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ تصلي جالسة وَإِن كَانَت خَلْوَةٍ صَلَّتْ قَائِمَةً قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَلَوْ كَانُوا فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ صَلَّى الرِّجَالُ وَصَرَفَ النِّسَاء وجوههن عَنْهُم وَصلى النِّسَاءُ وَصَرَفَ الرِّجَالُ وُجُوهَهُمْ عَنْهُنَّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِي فَإِن لم يَكُونُوا ديانين فَلَا يُكَلَّفُ النِّسَاءُ الْقِيَامَ وَلَا الرُّكُوعَ وَلَا السُّجُودَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يحْتَملهُ طِبَاعُهُنَّ.
الرَّابِعُ:
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ كَانَ فِي الْعُرَاةِ صَاحِبُ ثَوْبٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ العري وَاسْتحبَّ لَهُ بعد صلَاته دفع الثَّوْبِ لِغَيْرِهِ تَعَاوُنًا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا يَجِبُ إِذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَشْفُ عَوْرَتِهِ وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا كَانَ مَعَهُ فَضْلُ سُتْرَةٍ لَا يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ بِخِلَافِ فَضْلِ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ لِأَنَّهُ لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهُ والسترة سَقَطت بِالْعَجْزِ.
الْخَامِسُ:
قَالَ لَوْ أُعِيرَ لَهُ ثَوْبٌ لزمَه قبُوله للقدرة على الستْرَة كَالْمَاءِ لِلْمُتَيَمِّمِ لِقِلَّةِ الْمِنَّةِ فِي ذَلِكَ فَلَوْ وُهِبَ لَهُ فَالشَّافِعِيُّ لَا يُلْزِمُهُ الْقَبُولَ كَهِبَةِ الرَّقَبَة فِي الْكَفَّارَة وَيلْزمهُ وَيَردهُ بعد صَلَاة وَيُلْزِمُ رَبَّهُ أَخْذَهُ قَالَ وَهُوَ الرَّاجِحُ فَلَوْ أَعَارَهُ لِجَمَاعَةٍ وَالْوَقْتُ ضَيِّقٌ صَلَّى مَنْ لَمْ يُصَلِّ إِلَيْهِ عُرْيَانًا وَيُعِيدُ إِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ فِي الْوَقْت الموسع وَقَالَ الشَّافِعِي يؤخرون مَا دَامَ وَقْتُ الْأَدَاءِ مُتَّسِعًا فَإِنْ لَمْ يُعِرِ الْمُكْتَسِي أَحَدًا السُّتْرَةَ وَهُوَ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ امهم مُتَقَدما عَلَيْهِم النّظر الثَّانِي فِي السّتْر وَفِي الْجَوَاهِرِ يَكُونُ صَفِيقًا كَثِيفًا فَإِنْ كَانَ شَفَّافًا فَهُوَ كَالْعَدَمِ مَعَ الِانْفِرَادِ وَإِنْ كَانَ يَصِفُ وَلَا يَشِفُّ كُرِهَ وَصَحَّتِ الصَّلَاةُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْخَفِيفُ الشَّفَّافُ بِمَنْزِلَةِ التَّلَطُّخِ بِالطِّينِ لَا يُعَدُّ سُتْرَةً بِخِلَافِ الْكَثِيفِ الرَّقِيقِ الَّذِي يَصِفُ قَالَ وَيجب ستره الْعَوْرَةِ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ مِنْ حَطَبٍ أَوْ حَشِيشٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا طِينًا فَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي التَّلَطُّخِ بِهِ قَوْلَانِ فَإِنْ وُجِدَ السَّتْرُ لِبَعْضِ الْعَوْرَةِ سَتَرَ الْفَرْجَيْنِ فَإِنْ وَجَدَهُ لِأَحَدِهِمَا سَتَرَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَاخْتُلِفَ فِي أَيهمَا أولى فَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْقُبُلُ لِعَدَمِ الْحَائِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّظَرِ والدبر تحول بَينه وَبَين النّظر الأليتين وَلِأَنَّهُ مُسْتَقْبل بِهِ مَنْ يُنَاجِي وَلِبَعْضِ أَصْحَابِهِ الدُّبُرُ أَوْلَى لِفُحْشِهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَالَ وَهَذَا أَبْيَنُ وَيجْعَل مذاكيره بَين فخديه وَيُمْكِنُهُ سَتْرُهَا بِظَهْرِ يَدَيْهِ بِخِلَافِ الدُّبُرِ.
فُرُوعٌ سِتَّةٌ:
الْأَوَّلُ:
لَوْ وَجَدَ جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِير أَو ميتَة فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ السَّتْرُ بِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَعَلَى قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِالنَّجَاسَةِ لَا يلْبسهُ إِذا أَبَحْنَا لَهُ الْخِنْزِيرَ وَالْجِلْدَ النَّجِسَ وَجَبَتِ الصَّلَاةُ بِهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ لُبْسِهِ وَتَرْكِهِ لِتَعَارُضِ حُرْمَةِ العري وَالصَّلَاة بِالنَّجَاسَةِ فَتعين التخير وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ يُصَلِّي عُرْيَانًا وَقَالَ أَيْضًا يُصَلِّي بِهِ لَنَا أَنَّ التَّطْهِيرَ يُسْقِطُهُ عَدَمُ الْمَاءِ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَالسَّتْرُ لَا يُسْقِطُهُ إِلَّا الْعَجْزُ وَلَمْ يُوجَدْ وَلِأَنَّ فِي الْعُرْيِ هَتْكَ حُرْمَتَيْنِ حُرْمَةِ السَّتْرِ عَنِ الْأَبْصَارِ وَحُرْمَةِ السَّتْرِ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ.
الثَّانِي:
قَالَ إِذَا لَمْ يَجِدْ إِلَّا حَرِيرًا صَلَّى بِهِ عِنْدَ الْكَافَّةِ خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ وَوَقَعَ مِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ وَلَعَلَّ الصَّحِيحَ أَنَّ لُبْسَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وهب وَابْن الْمَاجشون وَلم يستحبا لَهُ إِعَادَة وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَمْ يُعِدْ وَإِلَّا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُعِيدُ أَبَدًا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُعِدْ لِأَنَّ جِنْسَهُ لَا يُنَافِي الصَّلَاةَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ كَانَ مَحْشُوًّا فِي كُمِّهِ وَلُبْسُهُ لِلنِّسَاءِ وَفِي الْحَرْبِ وَجوزهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْغَزْوِ إِذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُهْدِيَ إِلَيْهِ فَرُّوجٌ مِنْ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ وَصَلَّى فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ وَقَالَ لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ وَلَمْ يُعِدِ الصَّلَاةَ وَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا لَمْ يَجِدْ إِلَّا حَرِيرًا صَلَّى عُرْيَانًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَاسْتَقْرَأَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنْ تَقْدِيمِهِ الْحَرِيرَ عَلَى النَّجِسِ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِ وَلَا يُصَلِّي عُرْيَانًا وَهَذَا خِلَافُ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَكَذَلِكَ رَأَيْتُهُ لِلْمَازِرِيِّ مَنْقُولًا عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَقَالَ فِي التَّخْرِيجِ الَّذِي عَزَاهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَدَّمَهُ عَلَى النَّجِسِ وَالنَّجِسُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعُرْيِ وَالْمُقَدَّمُ عَلَى الْمُقَدَّمِ عَلَى الْعُرْيِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعُرْيِ وَقَالَ يَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِالْإِعَادَةِ مُطْلَقًا إِذَا صَلَّى فِي الْحَرِيرِ وَحْدَهُ مُخْتَارًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعُرْيَانِ اخْتِيَارًا لِكَوْنِ الْمَمْنُوعِ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا أَنَّهُ إِذَا صَلَّى فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ يُعِيدُ فَإِن الْتَزمهُ ألزمناه الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ صِحَّتُهَا فَلَا يَجِدُ انْفِصَالًا إِلَّا أَنْ يَقُولَ الْحَرِيرُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَشَدُّ مِنَ الْغَصْبِ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لِلْعِبَادِ وَلِقَوْلِهِ الْإِسْقَاطُ مِنْ جِهَتِهِمْ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوِ اجْتَمَعَ لَهُ حَرِيرٌ وَنَجِسٌ فَفِي الْكِتَابِ يُصَلِّي فِي الْحَرِيرِ وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لَيْسَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فَلَا يُنَافِيهَا بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ وَعِنْدَ أَصْبَغَ يُصَلِّي فِي النَّجِسِ لِعُمُومِ تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا فَيَكُونُ أَفْحَشَ مِنَ النَّجِسِ الَّذِي تَحْرِيمُهُ خَاصٌّ بِالصَّلَاةِ فَلَوْ صَلَّى بِثَوْبٍ حَرِيرٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى طَاهِرٍ غَيْرِ حَرِيرٍ فَإِنْ أَفْرَدَهُ فَقِيلَ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ وَقِيلَ لَا يُعِيدُ مُطْلَقًا وَقِيلَ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَقِيلَ يُعِيدُ وَقِيلَ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِيمَنْ صَلَّى مُتَخَتِّمًا بِالذَّهَبِ.
الثَّالِثُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ مَحْلُولُ الْإِزَارِ بِغَيْرِ سَرَاوِيلَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مُطَرِّفٌ رَأَيْتُ مَالِكًا فِي الْمَسْجِدِ مُطْلِقَ الْإِزَارِ فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ زَرَّرَهُ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ كَانَ ضَيَّقَ الْجَيْبَ لَا تُرَى مِنْهُ الْعَوْرَةُ جَازَتِ الصَّلَاةُ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ إِلَّا أَنْ يُزَرِّرَهُ أَوْ يَشُدَّ وَسَطَهُ بِحَبْلٍ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ إِنِّي رَجُلٌ أَصِيدُ أَفَأُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ؟ قَالَ نَعَمْ وَزَرِّرْهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْأَمْرَدِ وَبَيْنَ الْمُلْتَحِي لِأَنَّ لِحْيَتَهُ تَسْتُرُ الْجَيْبَ وَالطَّوْقَ لَنَا مَا فِي الْبُخَارِيِّ كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاقِدِي أُزُرِهِمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ كَهَيْئَةِ الصِّبْيَانِ فَيُقَالُ للنِّسَاء لَا ترفعن رؤوسكن حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا وَكُلُّ مَا يُتَوَقَّعُ مِنَ الْجَيْبِ يُتَوَقَّعُ مِنَ الذَّيْلِ.
الرَّابِعُ:
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِمِئْزَرٍ وَسَرَاويل وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ لَا تُجْزِئُهُ حَتَّى يَكُونَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ السَّرَاوِيلُ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ السَّرَاوِيل مَكْرُوه ابْتِدَاء وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ فِي سَرَاوِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ وَلِأَنَّهُ يَصِفُ وَمِنْ زِيِّ الْعَجَمِ وَقَالَ أَشْهَبُ يُعِيدُ مَنْ صَلَّى فِي السروال والتبان فِي الْوَقْتِ قَالَ وَكَذَلِكَ مَنْ أَذَّنَ فِي السَّرَاوِيلِ وَحْدَهَا أَعَادَ أَذَانَهُ مَا لَمْ يُصَلِّ وَكَانَ كَمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ أَذَانٍ.
الْخَامِسُ:
قَالَ صَاحِبُ الْجُلَّابِ مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا الْتَحَفَ بِهِ وَخَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ وَعَقَدَهُ عَلَى عُنُقِهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا ائْتَزَرَ بِهِ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ إِذَا صَلَّى كَذَلِكَ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَفِي الْبُخَارِيِّ النَّهْيُ عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَهِيَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ تَجَلُّلُ الرَّجُلِ بِإِزَارِهِ لَا يرفع مِنْهُ جَانِبًا كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ الَّتِي فِيهَا فَإِنْ وهمه أَمر لَا يُمكنهُ إِلَّا الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ هِيَ أَنْ يُدْخِلَ الرِّدَاءَ مِنْ تَحْتِ إِبِطِهِ الْأَيْسَرِ وَيَتْرُكُ طَرَفَهُ على يسَاره وَبِيَدِي مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنَ وَيُغَطِّي الْأَيْسَرَ وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الِاضْطِبَاعُ لِأَنَّهُ يُبْدِي ضَبُعَهُ الْأَيْمَنَ فَكُرِهَتْ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرْبُوطِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْمَنْدُوبِ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُبَاشِرُ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَإِنْ بَاشَرَ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مِئْزَرٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
السَّادِسُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا صَلَّى مُحْتَزِمًا أَوْ جَامِعًا شَعْرَهُ أَوْ جَامِعًا كُمَّيْهِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ لِبَاسُهُ أَوْ كَانَ يَعْمَلُ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَدَخَلَ عَلَى هَيْئَتِهِ فَلَا بَأْسَ وَإِلَّا فَلَا خير فِيهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ وَلَا أَكْفِتَ الشَّعْرَ وَلَا الثِّيَابَ وَالْكَفْتُ الضَّمُّ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {ألم نجْعَل الأَرْض كفاتا أَحيَاء وأمواتا} أَيْ تَضُمُّ الْفِرْقَتَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَسِرُّ الْكَرَاهَةِ أَنْ يَضُمَّ ذَلِكَ خَشْيَةَ التُّرَابِ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام عفروجك فِي التُّرَاب وَلِأَنَّهُ شَأْنُ التَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ قَالَ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ فَأَرَادَ سَتْرَهُ لِيَقِيَهُ التُّرَابَ كُرِهَ قَالَ صَاحِبُ الْجُلَّابِ الِاخْتِيَارُ لِمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ أَنْ يَلْبَسَ أَكْمَلَ اللِّبَاسِ وَالْإِمَامُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَيَرْتَدِي وَلَا يُعَرِّي مَنْكِبَيْهِ وَلَا بَأْسَ بِالْمِئْزَرِ وَالْعِمَامَةِ وَيُكْرَهُ السِّرْوَالُ وَالْعِمَامَةُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ سَيْفٌ أَوْ قَوْسٌ جَعَلَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنَ اللِّبَاسِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} وَالْعَبْد يُنَاجِي ربه فَيُسْتَحَب أَنْ يَتَجَمَّلَ لَهُ وَلَّمَا كَانَ الْإِمَامُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ الْقَوْمِ دِينًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَهُمْ زِيًّا وَقَوْلُهُ تُكْرَهُ السَّرَاوِيلُ وَالْعِمَامَةُ الْكَرَاهَةُ لِأَجْلِ السِّرْوَالِ وَذِكْرُ الْعِمَامَةِ حَشْوٌ فِي الْكَلَامِ وَكُرِهَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ يَسْجُدُ عَلَى بَعْضِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ السَّاجِدِ عَلَى غَيْرِ الْأَرْضِ.